مقال لـ م. أحمد أبو العمرين
لعلّ حديث الساعة في غزة اليوم هو "أزمة الكهرباء"، تلك المشكلة العميقة والمتجذرة منذ سنوات طويلة والتي تطال كافة مناحي الحياة بالضرر والمعاناة. إلا أن عدم الإحاطة بحقيقتها وخلفيتها الكاملة يزيد من حدّة الأزمة عند من يحصرها في مشاكل إدارية أو فنية فيظل يدور في حلقة مفرغة من الاتهام والتشكيك دون أن نضع يدنا على مكمن الجرح ودون أن نقف على الأرضية الصحيحة في فهم الأزمة.
ويإيجاز،، فإن أزمة الكهرباء ترجع لعدم كفاية الكهرباء لاحتياجات قطاع غزة، أي "العجز الكهربائي" الرهيب، هذا العجز الذي يتفاقم ويتزايد كل عام مع تزايد الأحمال السنوي الطبيعي وثبات المصادر كما هي دون تغيير .. بل وتراجعها في الحقيقة عما كانت عليه في السابق.
ففي حين كانت احتياجات القطاع عام 2005 لا تتجاوز 214 ميجاوط ارتفعت الآن في 2013 لتصبح 450 ميجاواط ومن المتوقع أن تصل لـ 830 ميجاوط عام 2020 !! في حين أن مصادر الكهرباء مجتمعة في غزة (من الاحتلال ومصر والمحطة) لا تزيد عن 250 ميجاواط بأفضل الأحوال، وهذا يعني أننا نعاني من عجز ثابت للكهرباء يصل لـ 45% حتى مع عمل المحطة بكامل طاقتها.
أما غير ذلك من تفاصيل الأزمة كعدم دفع الفواتير أو عدم توفر الوقود لمحطة التوليد أو فرض الضريبة .. إلخ فجميعها تفاصيل فرعية تزيد من حدّة الأزمة وليست هي الأزمة بحدّ ذاتها، وأية إجراءات أو تحسينات إدارية أو مالية في إدارة الملف أو توفير الوقود أو جلب المنح لتشغيل المحطة فإنما يحرّكنا في مساحة تقليل العجز فقط حتى لا يزيد عن 45% (وهو الجزء المعبّر عنه بـ "العجز المتغير" في الشكل التوضيحي وقيمته 22% هو نسبة عمل المحطة) !!
إن هذه التوطئة ضرورية وهامة لفهم هذا الملف المعقّد والمتشابك والذي تختلط فيه الأوراق لتضيع فيه الحقيقة، ولئلا يتوهّم أحدٌ أن حلّ أزمة الكهرباء يتمثل في محطة التوليد لوحدها، أو في دفع الفواتير لوحدها، أو في توفير الوقود المجاني لوحده، بل لا بد مع كل ذلك من توفير مصادر كهرباء إضافية مثل أي دولة في العالم لمواكبة التزايد الرهيب للاستهلاك عامًا بعد عام، وأن أي استراتيجية لا تقوم على هذه القاعدة (مصادر إضافية للكهرباء) هو ذرّ للرماد في العيون وعدم وضع العجلة على سكة الحل الجذري لأزمة تتفاقم كل عام ولا تنتهي.
وبالتأكيد فإن سلطة الطاقة والحكومة الفلسطينية عملت على هذا الأساس، وبذلت كل ما هو ممكن وقدّمت كل ما هو مطلوب لتنفيذ مشاريع زيادة الكهرباء لغزة، وتوفّرت الموافقات الدولية والتغطيات المالية لهذه المشاريع، إلا أنها كانت تصطدم في النهاية بالعقبات والتعطيلات السياسية الخالية من أي اعتبارات فنية أو مالية أو حتى إنسانية. ومن هذه المشاريع:
- الربط الإقليمي العربي بقدرة 300 ميجاواط على مرحلتين
- الخط الإسرائيلي الإضافي لغزة بقدرة 100 ميجاواط
- خط الغاز المصري لمحطة توليد غزة
وحتى هذه المشاريع تتطلب فترات زمنية لا تقل عن عام ونصف لتدخل الخدمة في حال تم البدء بتنفيذها، وهذا يعني أننا أمام سنوات قاسية قادمة مع تزايد الاستهلاك السنوي.
وعلى هامش هذا الملف المتشابك والمعقّد فلا بد من التوضيحات الهامة التالية التي يتم فيها خلط الأوراق في إدارة سلطة الطاقة لأزمة الكهرباء:
• تحسنت الجباية كثيراً في السنوات الماضية، لتصل شهرياً لـ 29 مليون شيكل في أفضل الأحوال، وحتى إذا تم تحصيل كامل الفاتورة وقيمتها 57 مليون فإنها لا تكفي لوقود المحطة لوحدها التي تحتاج لـ 60 مليون شيكل شهرياً لتعمل بما يزودنا بنظام 8 ساعات فقط !! أي أن كل الجباية يتم صرفها للوقود ولا تكفيه.
• جميع الوزارات والمساجد تسدد ما عليها من كهرباء بنظام المقاصة بين الحكومة وشركة الكهرباء، وهو نظام معمول به في كل دول العالم وكذلك في محافظات الضفة. وبحساب هذه الاستقطاعات تصل الجباية لـ 75% من الفاتورة الكاملة.
• الوقود من الأنفاق كان يُعطى لنا بسلطة الطاقة مباشرة بدون أي ضرائب، ولا يباع لشركة الكهرباء أصلاً، لأن توفير الوقود هو مسؤولية الحكومة وليس الشركة، فهذه النقطة فيها مغالطة كبيرة لا أساس لها من الصحة.
• الوقود القطري أو أي وقود مجاني لا يؤدي إلا لتخفيض تكاليف الكيلوط الواحد على الحكومة من 1.7 شيكل إلى 0.9 شيكل، وفي الحالتين يُباع للمواطن بأقل من تكلفته أي بـ 0.5 شيكل فقط !!
• شركة توزيع الكهرباء لها استقلاليتها المالية، وبسبب تحسن أداءها الإداري والمالي خلال السنتين الماضيتين تحرك عدد من الوسطاء الدوليين لتوفير خط إضافي من إسرائيل بضمانة هذه الإصلاحات الإدارية والمالية.
• هناك تعاون كامل بين سلطة الطاقة بغزة ونظيرتها برام الله، ولكن المشاكل تتمحور حول قرارات سياسية) وتحديداً رئاسية) تتجاوز سلطة الطاقة برام الله.
التالى > |
---|